الجمعة، 20 نوفمبر 2015

تطورالجدول الدوري الحديث

الجدول الدوري الحديث
في عام 1868 وضع الكيميائي الألماني <L .J. ماير> (من جامعة برسلو)، أثناء مراجعته كتابا من تأليفه، جدولا دوريا يشبه إلى حد كبير نسخة جدول ماندلييڤ التي اشتهرت في عام 1869، على الرغم من عدم تمكّنه من وضع جميع العناصر فيه على نحو صحيح. لكنَّ هذا الجدول لم يرَ النور حتى عام 1870 بسبب تأخيرٍ من الناشر. وقد قاد ذلك إلى قيام خلاف حاد بين ماير وماندلييڤ حول أفضلية كل منهما في إحراز شرف السبق في وضع الجدول.

ذلك أن ماندلييڤ وضع جدولَه أيضا في هذه الفترة أثناء تأليفه كتابا عن الكيمياء العامة، إلا أنه، وبخلاف من سبقوه، كان على ثقة كبيرة بصحة جدوله الدوري، حتى إنه استخدمه للتنبؤ بوجود عناصرَ جديدة وبخصائص مركباتها؛ كما استخدمه لتصحيح قيم الأوزان الذرية لبعض العناصر المعروفة. ومما يثير الاهتمام إقرارُ ماندلييڤ باطلاعه، حين وضع جدوله، على جداول أخرى وضعها عدد ممن سبقوه، مثل نيولاند، وعدم اطلاعه على أعمال ماير.

وعلى الرغم من أن المظهر التنبئي في جدول ماندلييڤ يعد سمة أساسية فيه، فإن المؤرخين بالغوا كثيرا في التأكيد على هذا الجانب حتى عدّوه السببَ الأساسي لتبني هذا الجدول، وفات هؤلاء أن يلاحظوا أن الجمعية الملكية في لندن لم تُشِرْ إلى هذا المظهر على نحو خاص حين منحت ماندلييڤ ميدالية ديڤي عام 1882، بل اعتبرت قدرة الجدول على استيعاب جميع العناصر المعروفة في حينه، على القدر نفسه من أهمية تلك التنبؤات المدهشة. وعُدّ ماندلييڤ صاحب الفضل الأكبر في وضع النظام الدوري، على الرغم من إسهام كثير من العلماء في تطوير هذا النظام، وذلك باكتشافه دورية الخصائص الكيميائية للعناصر، ولارتقائه بهذا الاكتشاف إلى مستوى القانون الطبيعي. وقد أمضى ماندلييڤ بقية حياته في تمحيص نتائجه وفي الدفاع عن صحة الجدول بجرأة وإقدام.

لم يكن الدفاع عن الجدول أمرا سهلا دائما، إذ كثيرا ما تحدَّت دقّته الكشوفاتُ اللاحقة، التي نذكر منها مثلا اكتشاف <W. رامسي> (من كلية جامعة لندن) واللورد <W .J. سترات> (من المعهد الملكي في لندن) عنصر الآرغون في عام 1894، ثم اكتشاف رامسي في السنوات اللاحقة أربعة عناصر أخرى هي الهليوم والنيون والكرپتون والكزنون (التي عُرفت فيما بعد بالغازات النبيلة)، وأخيرا اكتشاف عنصر الرادون من قِبل الفيزيائي الألماني <E .F. دورن> في عام 1900.

أُطلِقَ على هذه الغازات اسم «الغازات النبيلة» لبقائها بمنأى عن العناصر الأخرى في الجدول، ولندرة تفاعلاتها معها لتشكيل مركبات، وهو ما دفع بعضَ علماء الكيمياء إلى القول بعدم انتماء هذه العناصر إلى الجدول الدوري، خاصةً وأن ماندلييڤ، أو أحدا سواه، لم يتنبأ بوجودها. وقد اقتضى الأمر ست سنوات من الجهود الحثيثة إلى أن تمكن الكيميائيون والفيزيائيون من وضعها في الجدول، حيث أفردوا لها فصيلة (مجموعة رأسية) إضافية بين فصيلتي الهالوجينات والفلزات القوية، اللتين تضم إحداهما عناصر الفلور والكلور والبروم واليود والأستاتين، وتضم الأخرى عناصر الليثيوم والصوديوم والبوتاسيوم والروبيديوم والسيزيوم والفرنسيوم.

وما لبث أن ظهر خلاف آخر حول صحة ترتيب العناصر بدلالة أوزانها الذرية، حين اقتَرح في عام 1913 <D .V .A. بروك> (هولندي من هواة الفيزياء النظرية) ترتيب العناصر في الجدول الدوري بدلالة قيمة شحنة النواة في ذرة كل منها. واهتم الفيزيائي <H. موزلي> في جامعة مانشستر بهذا الاقتراح، وبدأ تمحيصه خلال عام 1913 قبل موته المأساوي في الحرب العالمية الأولى بوقت قصير.

بدأ موزلي بتصوير طيفِ الأشعة السينية لاثني عشر عنصرا شغلت عشرة منها مواقع متتالية في الجدول، ولاحظ أن ترددات (تواترات) إحدى مجموعات خطوطها الطيفية، وهي الخطوط K، تتناسب طردا مع مربع العدد الدال على موقع العنصر في الجدول، فعدّ ذلك دليلا على وجود مقدار أساسي في كل ذرة يزداد من عنصر إلى العنصر الذي يليه في الجدول. وفي عام 1920 أطلق العالم <E. رذرفورد> (من جامعة كامبردج) على هذا المقدار اسم «العدد الذري». ونعرف الآن أنه يمثل عدد البروتونات في نواة ذرة كل عنصر.

الجدول الدوري الشائع والمعروف بالنموذج المتوسط الطول، والذي يوضع في قاعات تدريس الكيمياء ومختبراتها في جميع أرجاء العالم. تتميز هذه النسخة بالعرض الواضح لفصائل العناصر المتماثلة التي تشكل أعمدة رأسية على الرغم من عدم تماثلها في مجمل الجدول. (تشير الألوان المختلفة المستخدمة في الجدول إلى العناصر المتشابهة في توزيع الإلكترونات في طبقاتها الخارجية.)

قادت أعمال موزلي إلى وضع طريقة يُمكن بها تحديدُ المواقع الشاغرة المتبقية في الجدول بدقة. كما اعتمد عدد من الكيميائيين مفهوم العدد الذري، بدلا من الوزن الذري، أساسا لترتيب العناصر فيه، مما أدى إلى حل الإشكالات المتبقية في هذا الترتيب؛ فقد لوحظ عند وضع عنصري اليود والتلّوريوم في الجدول بدلالة وزنيهما الذرّيين، أن اليود يأتي أولا؛ إلا أن ذلك يضعه في فصيلة لا تتماثل خصائصه الكيميائية مع خصائص عناصرها. في حين أن وضع هذين العنصرين، بدلالة عدديهما الذرّيين، يجعل التلّوريوم يأتي أولا وعلى نحو يبدو فيه وجود توافق بين خصائصه وخصائص العناصر الأخرى في فصيلته، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اليود(2).

* تشير إلى العناصر التي تم اكتشافها حديثا ولكن لم يتم الاتفاق على تسميتها على نحو رسمي.
+ تشير إلى عناصر لم تكتشف بعد.
الجدول الهرمي، وهو شكل آخر للجدول الدوري يبدو فيه التناظر الذي في هذا الجدول، وارتباطه على نحو خاص بأطوال أدواره المتتالية. تعتبر هذه النسخة نموذجا مطورا للجدول الذي وضعه حديثا <D .W. جنسن> (من جامعة سنسيناتي). تشير الخطوط المتصلة العريضة إلى العناصر التي يتشابه توزع الإلكترونات في طبقاتها الخارجية، وتشير الخطوط المتصلة الرفيعة إلى العناصر التي تنتسب إلى الفصيلة ذاتها، أما الخطوط المتقطعة فتشير إلى علاقات ثانوية في الخصائص الكيميائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق